يوم آخر طويل أعود من بعده، أحمل معي يأسي ومرارتي،يتملكني الهم والضيق من أي شيء وكل شيء.شعور خانق بالعجز..ماذا تبقي في هذا الكون ليسعد واحدة مثلي؟؟
أريح رأسي إلي وسادتي..أسترجع حلما طفوليا قديما بأن أصبح عقلة الإصبع..لا لا بل أنا الآن أصغر شيء في هذا الكون..أنا ذرة التراب الصغيرة العالقة في هواء الغرفة أمام ستائري الداكنة التي تجعل الجو أقرب إلي الظلمة.أغمض عيني وأتمادى في أفكاري وتأملي ..أتوحد معها..أنا هي الآن فعلا..أصغر من أن يبالي بي أحد..أحقر من أن تمثل شيئا في هذه الدنيا الشاسعة الحافلة بكل ما هو أكبر وأعقد.
أطير إلي الخارج حيث السماء الصافية..أسبح وسط أسراب الطيور ..أسمع حفيف الأشجار..أعبر البحار والمحيطات..أقطع الأرض من أقصاها لأقصاها أعبر الصحاري والوديان .. أتأمل في مخلوقات الرحمن وبديع صنعه..أتخيل الفضاء الشاسع بما يخفيه من نجوم ومجرات وكواكب...
أعود من حيث بدأت..أستعيد صورتي الأولي..وأفكر..أنا أنتمي لهذا الكون!! أنا جزء من هذه اللوحة الربانية البديعة!! وبرغم هذا أجرؤ علي أن أشعر بالهم والخوف من الغد..أتذكر المتاعب والإحباطات !! ولماذا أيأس وأقنط إذا ولا أسلم أمري للخالق الأعظم.الذي أحكم كل هذا الكون ببديع صنعه وعظيم تدبيره..فوضت أمري لربي عز وجل وتوكلت عليه.
فتحت عيني لأغرق في بحر من الحيرة..أين أنا؟؟
قمت أتفقد المكان من حولي..أخطو ذاهلة أتأمل الأرض من حولي وكأنها قد جمعت ليصير الكون محراب صلاة كبير..أري ما يشبه الدرج ..يدعوني –صامتا- لأعتلي درجاته..أصعد واحدة تلو أخري ..أخيرا أجد بيتا بدائيا صغيرا يبدو وكأنه سيلامس السماء..أمد يدي لأطرق بابه ثم أعود فأتراجع..لا داع لذلك فالباب مفتوح فعلا..أحسم أمري بعد ثوان من التردد وأخطو إلي الداخل..تتسلل إلي أنفي أطيب رائحة عرفتها الأرض..يفعمني شعور بالسكينة لم أدركه من فبل..أراها ..تجلس إلي الأرض ..أري عينيها الباكيتين.ويديها ضارعتين إلي السماء..أسمعها تنشد:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
إنها هي ..رابعة العدوية كما تخيلتها دوما..أدنو منها فتبتسم..أفترش الأرض إلي جوارها..أريح رأسي علي صدرها..تمسح بكفها علي رأسي وتمتم ..تدعو لي .. ترقيني..أحس نورا ينفذ إلي روحي..يضيء صدري.. ما أعذبها من كلمات..تذهل عني قليلا وتعود لتناجي وتقول:إلهي ،أنارت النجوم ونامت العيون، وغفل الغافلون، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.....تجري دموعها وتضيع وسط الكلمات.
أشكو إليها ضعفي وثقل نفسي بالمعاصي وعظم ذنبي رغم أني أحبه ..تربت علي كتفي..تنشد :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه..هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ..إن المحب لمن يحب مطيع.
أستغفر ربي الرحيم.أتوب بين يديها وأتبرأ من ذنبي..أغيب في سنة قصيرة..
أستيقظ علي صوت أمي الدافيء:إنها الثامنة ..هل ترغبين في النوم من جديد؟؟
أجاوبها بابتسامتي..أنهض وكلي رضا عن الكون.