قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وقال : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ
الردة بالأعمال :
سؤال لفضيلة الشيخ حامد العلي عن لبس الصليب
ما هو حكم لبس الصليب؟؟؟
يقول البعض إنه لايكون كفراً في كل الحالات ويستدلون أن البخاري رحمه الله بوّب لذلك في صحيحه؟؟؟
أسأل الله أن يحفظكم ويرعاكم.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
من لبس الصليب ،وظاهر حاله أن يعلم أنّه صليبٌ رمز لدين النصارى ، ارتدّ عن الإسلام ، وإلاّ فإنّه يبيـّن له ، فإن لم يتـب ارتدّ .
ومعلوم أنّ الصليب ، في حدّ ذاته رمز للتكذيبِ للقرآن ، وقد قال تعالى ( وما قتلوه وما صلبوه ) ، وهـو رمـز لدين كفري باطل ، ليس هو دين عيسى عليه السلام ، فإنّ دينه كان الإسلام ، كدين سائر الأنبياء ، وقد بشّر ـ عليه السلام ـ بنيّنا صلى الله عليه وأمر باتباعه ، كما أمرت الأنبياء من قبله ،
بل دين النصارى بعد تحريفهم رسالة عيسى عليه السلام ، هـو دين الشرك ،كعبادة الأصنام ، حرّفوا دين المسيـح ،وكفروا ، إذ قالوا أن الله هو المسيح ، وبإدعاءهم الولد لله تعالى ، وأنه ـ تعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ ثالث ثلاثة ، ذلك مع تكذيبهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ،والمكذب بنبيّ كالمكذّب بجميع الأنبياء.
ولهذا فإنّ المسيح عليه السلام ، عندما ينزل آخر الزمان ، يكسر الصليب ، كما تُحطـّم الأوثان ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، لايدع شيئا في بيته فيه تصاليب إلاّ نقضه ،كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، فالصلبان كالأوثان .
وفي الصحيحين ، قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، وإماما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لايقبله أحد ، وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ) .
قال ابن حجر رحمه الله بعدما ذكر حديثا رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح : " وفي هذا الحديث ، ينزل عيسى عليه ثوبان ممصران فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام , ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام , وتقع الأمنة في الأرض ،حتى ترتع الأسود مع الإبل، وتلعب الصبيان بالحيات - وقال في آخره - ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون " وروى أحمد ومسلم من طريق حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة " ليهلن ابن مريم بفج الروحاء بالحج والعمرة " الحديث , وفي رواية لأحمد من هذا الوجه : ينزل عيسى فيقتل الخنزير ويمحي الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج , وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما وتلا أبو هريرة ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ) الآية . قال حنظلة قال أبو هريرة : يؤمن به قبل موت عيسى ) .
وفي الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه لما ينادي المنادي يوم القيامة ، من كان يعبد شيئا فليتبعه ( فيذهب أهل الصليب مع صليبهم ، وأصحاب كلّ الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كلّ آلهة مع آلهتهم) .
ولهذا لافرق بين الصليب وغيره من المعبودات مع الله ، في ردّة معظمّها ، وتعليقها من تعظيمها، كما ذكر العلماء .
كما قال في البحر الرائق : (وَبِشَدِّ الْمَرْأَةِ حَبْلا فِي وَسَطِهَا وَقَالَتْ هَذَا زُنَّارٌ) ، فهذه كفّرها السادة الحنيفة بلبسها حبلا ، زعمت أنه مثل زنّار النصارى ، فكيف بمن علّق الصليب.
وقال في التاج والإكليل لمختصر خليل ذاكرا أمثلة لأفعال الردة: ( كإلقاء مصحف بقذر وشد زنّار ، ابن عرفة : قول ابن شاس : " أو بفعل يتضمنه " هو كلبس الزنار وإلقاء المصحف في صريح النجاسة ، والسجود للصنم ونحو ذلك).
ولزيادة الفائدة نذكر هنا ما ذكره الإمام النووي في روضة الطالبين ـ مختصرا ـ مما يصير به المسلم ـ عافنا الله وإياكم ـ مرتدا :
قال الإمام النووي في الروضة :
( الطرف الأول في حقيقتها ـ أي الردة ـ وهي قطع الإسلام ، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر ،وتارة بالفعل .
والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد ، واستهزاء بالدين صريح.
كالسجود للصنم ، أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ، ونحوها .
قال الإمام في بعض التعاليق ،عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا ، قال وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه.
وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر ، سواء صدر عن اعتقاد ، أو عناد ، أو استهزاء ، هذا قول جملي وأما التفصيل ..
ثم ذكر تفاصيل أحكام الردة، ثم قال :
فرع في كتب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر .
وأكثرهما مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه ، فنذكر ما يحضرنا مما في كتبهم.
منها إذا سخر باسم من أسماء الله تعالى ، أو بأمره ، أو بوعده ،أو وعيده كفر .
وكذا لو قال لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل ، أو لو صارت القبلة في هذه الجهة ما صليت إليها ...
ولو قال لغيره لا تترك الصلاة فإن الله تعالى يؤاخذك فقال لو واخذني الله بها مع ما بي من المرض والشدة ظلمني ، أو قال المظلوم هذا بتقدير الله تعالى ، فقال الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى كفر ...
واختلفوا فيمن نادى رجلاً اسمه عبد الله ن وأدخل في آخره حرف الكاف الذي يدخل للتصغير بالعجمية ، فقيل : يكفر ، وقيل : إن تعمد التصغير كفر ، وإن كان جاهلاً لا يدري ما يقول ، أو لم يكن له قصد ، لا يكفر ...
ولو قال لو كان فلان نبيا آمنت به كفر ، وكذا لو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقاً نجونا ، أو قال لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسياً ، أم جنياً ، أو قال إنه جن ، أو صغر عضواً من أعضائه على طريق الإهانة ..
ولو تنازع رجلان فقال أحدهما لا حول ولا قوة إلا بالله فقال الآخر لا حول لا تغني من جوع كفر .
ولو سمع أذان المؤذن فقال إنه يكذب ، أو قال وهو يتعاطى قدح الخمر ، أو يقدم على الزنى باسم الله تعالى ،واستخفافاً باسم الله تعالى كفر.
ولو قال لا أخاف القيامة كفر ...
ولو دام مرضه واشتد فقال إن شئت توفني مسلماً ،وإن شئت توفني كافراً صار كافراً.
وكذا لو ابتلي بمصائب فقال أخذت مالي ، وأخذت ولدي ، وكذا وكذا وماذا تفعل أيضاً ، أو ماذا بقي ولم تفعله ، كفر .
ولو غضب على ولده ، أو غلامه فضربه ضرباً شديداً ، فقال رجل : لست بمسلم ،فقال: لا متعمداً ، كفـــر ..
ولو أسلم كافر فأعطاه الناس أموالا ، فقال مسلم ليتني كنت كافراً فأسلم ، فأعطى قال بعض المشائخ يكفر.
قلت في هذا نظر لأن جازم بالإسلام في الحال والاستقبال وثبت في الأحاديث الصحيحة في قصة أسامة رضي الله عنه حين قتل من نطق بالشهادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة " قال حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ ويمكن الفرق بينهما والله أعلم.) انتهى
وليس بصحيح ما زعموه عن الإمام البخاري والله أعلم