ثالثاً: أخي، أختي.. هل تعلمون شيئاً عن الحور العين؟
إنهن نساء المؤمنين في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.. آمين...
لمّا وصف الله الحور العين في القرآن، امتدحهن بصفة هي حقاً صفة مدح؛ ومعلوم أن أحدنا إذا طلب منه مدح أو وصف أحد بما فيه من المكارم فإنه يذكر أحسن ما فيه من هذه المكارم.. فالله لما امتدح الحور العين، قال عنهن { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } [الرحمن:72]، أي لا يخرجن من بيوتهن! هذا في الجنة حيث لا شياطين ولا سيئات، ولا نية سيئة ولا... ولا... ولا...
إن المرأة لم تخرج من بيتها إلا في العصر الحديث على يد الآثم (آثم أمين) -أتعمّد كتابتها بالثاء- وصفية زغلول وزوجها سعد زغلول بدعوى تحرير المرأة؛ فكانت قبل ذلك وحتى عام 1919م تقريباً تمتثل أمر ربها { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب:33]، ولكنها خرجت، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وخلعت برقع الحياء إلا من رحم الله.
فالله قال عن الحوريات أنهن لا يخرجن من بيوتهن، وإذا خرجن قال عز وجل عنهن { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } [ص:52]، أي لو خرجت فإنها تغض بصرها فلا ترى الرجال.
سبحان الله، هذا في الجنة! فهذا حال أحسن الناس حالاً، أهل الجنة..
أفلا نسير على سيرهم كي نلحق بهم، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.. اللهم آمين.
ولسنا ضد خروج المرأة من بيتها للضرورة، ولكن إذا خرجت وجب عليها أن تلتزم بتعاليم الإسلام، بأن ترتدي الحجاب الشرعي، ولا تتبرج، ولا تختلط بالرجال، وأن تغضّ بصرها، وكل ذلك سهل وميسور بإذن الله تعالى، لأنها كلها أوامر الله... وكما اتفقنا أن الدين يسر.
فهذه الثلاثية دليل قاطع على أن الاختلاط محرم في دين الإسلام، وأنه معصية يجب التوبة الفورية منها.. وسبحان الله، كما قال السلف أن من أضرار المعاصي أنها تجر إلى معاصي أخرى.
ولو تأمّلت أخي، أختي هذه المعصية التي عدّها كثير من أهل العلم أنها من الكبائر؛ لوجدت أنها يترتب عليها مفاسد عظيمة ومعاصي جسيمة، وإليك بعضاً منها:
1- إطلا ق البصر: فليس من المتصوّر أن يختلط رجل بامرأة ويغض بصره عنها. من الذي أمر بغضّ البصر؟ أليس سبحانه الذي قال { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } الآية [النور:30-31]، وهو سبحانه الذي قال { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة:185]، وهو سبحانه الذي قال: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة:286]. فالله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأخبر أن ذلك أزكى لهم، أي أحسن وأطهر لهم... ألا نصدقه سبحانه وهو أعلم بنا من أنفسنا؛ يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، قال سبحانه: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14].
ولنا في آيات سورة النور التي فيها الأمر بغض البصر عدة تأملات:
(1) أن الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، ولم يقل سبحانه قل للناس يغضوا من أبصارهم؛ ولكن قال { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ } و{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ } لأنه لن يستجيب لأمر الله إلا المؤمنين والمؤمنات؛ قال تعالى { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور:51]، ولا مفلح غيرهم لأنهم أطاعوا ربهم واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
(2) أن الله قال { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }، فما السبب الذي من أجله أتى الأمر بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر؟! السبب هو أن الذي لا يغض بصره لا يستطيع أن يحفظ فرجه غالباً؛ وواقع المسلمين وصفحات الحوادث والجرائد خير شاهد على ذلك.. والحر تكفيه الإشارة؛ وإذا أردت الدليل على ذلك تأمّل أي قصة كانت نهايتها الوقوع في الفاحشة، ستجد أن أول خطوة في ذلك الطريق كانت إطلاق البصر..
ولنا خير شاهد ودليل على ذلك في قصة المؤذن الذي كان واقفاً على المسجد ليؤذن للصلاة، فوقع بصره على نافذة بيت لرجل نصراني، فوقع بصره على ابنة ذلك النصراني، فلم يغض بصره وأعقب النظرة النظرة؛ فما كانت النتيجة؟
وقع حبّها في قلبه من أول نظرة، فترك الأذان، ونزل من على المسجد، وذهب إليها في بيتها، وقال لها: أريدك بحلال أو حرام، قالت: تزوّجني. قال: أتزوجك. قالت ولكنك مسلم، وأنا نصرانية، ولا أتزوجك حتى تتنصّر؛ قال: أتنصّر...
قالت: فانتظر أبي حتى يأتي... فانتظر, فأتت له بخمر، فشرب فسكر، فصعد على سطح المنزل فسقط فمات! فلا هو طالها ولا طال رضا الله عز وجل، بل { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } [الحج:11]، كما قال الله تبارك وتعالى.
وكما قال الشاعر: نظرة.. فابتسامة.. فموعد.. فلقاء.. والنهاية معروفة، نسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة.
(3) أن الله تعالى قال { ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }، أي أطهر لهم أن يغضوا من أبصارهم وأحسن... سبحان الله، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا؛ يعلم ما نسعد به وما لا نسعد به؛ ونحن في العرف نقول: أن الذي يصنع آلة هو أعلم رجل بهذه الآلة، يعلم إذا فسدت أو تعطلت كيف يصلحها، وكيف تعمل بكفاءة وكيف يطول عمرها الإنتاجي...
ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وكما قال سبحانه: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم:32]... لا تقل أنا أخلاقي حسنة ولا أوذي أحد، وأفعل ذلك بحسن نية وأنا أخاف من الله وأتقيه... أقول لك لا تزكّي نفسك وتمدحها، فالله أعلم بخفايا النفوس والقلوب. قال تعالى { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }، وقال تعالى: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]
(4) أن الله تعالى أمرنا جميعا بغض البصر فقال { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }، وإن لم يغضوا من أبصارهم فماذا؟! قال عز وجل { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }، أي أنك أمرت بغض البصر فإن أطعت الله و غضضت بصرك زاد إيمانك و إن لم تغض بصرك و نسيت نظر الله إليك فاعلم أن الله خبير بما تصنع ؛ سوف يكتبه ليحاسبك عليه قال تعالى { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } [القمر:53]، أي مكتوب أليس هو القائل سبحانه { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [غافر:19]. و لما سُئل الحسن البصري: بما يستعان على غض البصر؟ فقال: أن تعلم أن نظر الله إليك أسبق.. قبل أن تنظر تذكّر أن الله يراك.
(5) كما أن الله سبحانه أمر الرجال بغض البصر، أمر النساء كذلك بغض البصر، فـ « النساء شقائق الرجال »، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أي أنهن مأمورات بما أمر به الرجال.
فهذه أول معصية تترتب على كبيرة الاختلاط؛ أما الثانية فهي: مصافحة المرأة الأجنبية.
فإن الذين يختلطون غالباً ما يقعون في ذلك... وقد يقول قائل: هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام؟ هل مصافحة زميلتي التي أعتبرها مثل أختي تماماً أو جارتنا التي تربينا سوياً منذ الصغر أو ابنة عمي أو ابنة خالتي أو زوجة عمي أو زوجة خالي حرام؟ إنني أصافح أحداهن وليس في نيّتي شيء، والأعمال بالنيات...
أقول لك أخي الحبيب، أختي الغالية... هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الصحابة و يبايعونه على الإسلام بالقول والمصافحة؟ وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن المؤمنات -أي يشترط عليهن- قبل الدخول في الإسلام كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [الممتحنة:14]، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد بايعتك).. كلاماً، ولا والله ما مسّت يده يد امرأة قط في المبايعة؛ ما يبايعهن إلا بقوله « قد بايعتكن على ذلك »، ومعلوم كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع الرجال صافحهم، بل قال صلى الله عليه وسلم للنساء في موقف البيعة هذا: « إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة »، وقال صلى الله عليه وسلم: « لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له »، وقد قال الله عز وجل { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } [الأحزاب:21].
ولنا في هذه البيعة تأملات:
(1) أن الرجال والنساء الذين جاؤوا ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوا يطلبون نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكان موقف البيعة موقف جد، موقف نصرة لله، موقف لا مزاح ولا لعب فيه، ومع ذلك لم يصافح النبي صلى الله عليه وسلم أي امرأة بايعها؛ لأن البيعة اشتراط على الالتزام بطاعة الله، وطاعة الله ملزمة لنا في كل حين، ولا يجوز أن نطيع العادات الاجتماعية الفاسدة وقواعد الذوق التي تخالف تعاليم الإسلام ونترك طاعة الله، فطاعة الله مقدمة على كل شيء، فالإسلام حرّم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية للأدلة التي ذكرتها، فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أو العكس محتجّاً بالعادات الاجتماعية أو بأن ذلك موافقٌ للأدب والذوق.. لا والله، إن الإسلام جاء بأسمى قواعد الأدب والذوق الرفيع، ولكننا رضينا بالعادات الاجتماعية الفاسدة بديلاً عن عادات وآداب الإسلام، إلا من رحم رب العالمين.
ثم إن بعض الناس، هدانا الله وإياهم، يصاحبون المصافحة بابتسامات وضحكات وتمايلات تهيّج الكامن، وتقرّب من الفواحش، وترغّب فيها مثل ما يحدث بين الموظفين والموظفات، والطلبة والطالبات.. فعياذاً بالله من الانحراف عن سواء السبيل.
(2) رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الخطأ، وله من الزوجات تسعة؛ وقد بلغ من العمر الستين، إلا أنه لم يصافح النساء اللائي جئن للبيعة، ولم يلتفت إلى مسألة النيّة أو ما إلى ذلك، وهو خير أسوة صلى الله عليه وسلم، ولم يفعل ذلك لأن من حرم ذلك هو الله عز وجل القائل في كتابه { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } [الأحزاب:21].
ومن المعاصي المترتبة على الاختلاط:
الخضوع بالقول
فإذا اختلط الرجال بالنساء، تجد النساء إلا من رحم الله تتبسّم وتترقّق وتلين في الكلام، مع أن الله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك فقال { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [الأحزاب:32]، فهذا أمر الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن المؤمنات الطاهرات العفيفات أمهات المؤمنين..
فأين نساء اليوم منهن؟ فجدير إذاً بالمرأة المسلمة المؤمنة ألا تخضع بالقول، وليس معنى عدم خضوعها بالقول أن تكون فظة غليظة إذا حادثت بعض الرجال لأمر ضروري. لا، ولكن تتكلم بكلمات تنم عن أدب وحسن خلق، ولا تجعل الرجال يطمعون فيها. ولتدرك تماماً أثناء حديثها أن الله يعلم ما تقول، معها سبحانه يسمع ويرى، ولتدرك تماماً أن ربها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور..
عجيب أمر امرأة فظة غليظة مع زوجها ومحارمها، ثم هي تخضع بالقول مع الرجال الأجانب والشباب!!
وكذلك فلا يخضع الرجال بالقول، وقد يعجب شخص من هذا فيتسائل: هل يخضع الرجل بالقول؟
نعم، هناك من يخضع بالقول من الرجال. هناك رجل يتّصل بصديق له على الهاتف فإذا وجده كلّمه كلام رجل لرجل، أما إذا ردت عليه امرأة أخذ بسماعة الهاتف، فإذا به يتأنّث معها ويتخنّث، ويخضع لها بالقول غاية الخضوع كي يوقعها في شراكه وحباله، وخفي عليه أن الله تعالى محيط بما يعمل عليم بما يصنع.