عدد الرسائل : 645 رقم الدفعة : 2008 أذكار : سبحان الله وبحمده عدد خلقة ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته تاريخ التسجيل : 17/03/2007
موضوع: يـــقـــظــة الــقــلــب 8/14/2007, 10:27 am
يقظـــــة القـــــلب
قال ابن الجوزي –رحمه الله- في كتابه الماتع "صيد الخاطر"..:"خطر لي [خاطر] والمجلس قد طاب ، والقلوب قد حضرت ، والعيون جارية ، والرءوس مطرقة ، والنفوس قد ندمت على تفريطها ، والعزائم قد نهضت لإصلاح شئونها ، وألسنة اللوم تعمل في الباطن على تضييع الحزم وترك الحذر ؛ فقلت لنفسي : ما بال هذه اليقظة لا تدوم ، فإني أرى النفس واليقظة في المجلس متصافيان متصادقان ، فإذا قمنا عن هذه التربة ، وقعت الغربة ، فتأملت ذلك فرأيت أن النفس ما تزال متيقظة ، والقلب ما يزال عارفاً ، غير أن القواطع كثيرة ، والفكر الذي ينبغي استعماله في معرفة الله سبحانه وتعالى قد كلَّ ، مما يستعمل في اجتلاب الدنيا ، وتحصيل حوائج النفوس ، والقلب منغمس في ذلك ، والبدن أسير مستخدم ؛ بينما الفكر يجول في اجتلاب الطعام والشراب والكسوة ، وينظر في مدد ذلك ، وما يدّخره لغده وسنته ، اهتم بخروج الحدث وتشاغل بالطهارة ، ثم اهتم بخروج الفضلات المؤذية –ومنها المني- فاحتاج إلى النكاح ، فعلم أنه لا يصح إلا باكتساب كسب الدنيا. فتفكر في ذلك وعمل بمقتضاه ، ثم جاء الولد فاهتم به وله ، وإذا الفكر عامل في أصول الدنيا وفروعها ، فإذا حضر الإنسان المجلس فإنه لا يحضر جائعاً ولا حاقناً بل يحضر جامعاً لهمته ، ناسياً ما كان من الدنيا على ذكره. فيخلو الوعظ بالقلب فيذكره بما ألف ، ويجذبه بما عرف ، فينهض عمال القلب في زوارق عرفانه ؛ فيحضرون النفس إلى باب المطالبة بالتفريط ، ويؤاخذون الحس بما مضى من العيوب ، فتجري عيون الندم ، وتنعقد عزائم الاستدراك. ولو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها ، لتشاغلت بخدمة باريها ، ولو وقعت في سورة حبه ، لاستوحشت عن الكل شغلاً بقربه ؛ ولهذا اعتمد الزهاد الخلوات ، وتشاغلوا بقطع المعوقات ، وعلى قدر مجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم ، كما أن الحصاد على مقدار البذر ؛ غير أني تلمحت في هذه الحالة –دقيقة- وهو أن النفس لو دامت لها اليقظة لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها ؛ وهو العجب بحالها ، والاحتقار بجنسها ، وربما ترقت بقوة علمها وعرفانها ، إلى دعوى لي ، وعندي ، وأستحق ، فتركها في حومة ذنوبها تتخبط ، فإذا وقفت على الشاطيء قامت تجر ذيل العبودية أولى لها. هذا حكم الغالب من الخلق ، ولذلك شغلوا عن هذا المقام ؛ فمن بذر فصلح له ، فلابد له من هفوة يراقبها عين الخوف من عقابها [رفقاً بها] ن تصح له عبوديته ، وتسلم له عبادته ، إلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح : ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون فيغفر لهم).رواه مسلم"أهـ.